حياة الرسول - صلى الله عليه وسلم-

قبل الميلاد و الرسالة:

حين انتشر الفساد في الأرض و نسي الناس دين الله و سيــطرت الشرور و الأهوال عليهم أراد الله سبحانه و تعالى أن يرسل إليهم رسولا جديدا يدعوهم إلى دين الحق و يصحح عقائدهم الفاسدة و يُخَلِّص عباداتِهم من الشـرك و الوثنية و يهديهم إلى ما فيه صلاحـهم و سعادتهم في الدنـيــا و الآخرة.

وحـين اقترب موعد ميلاد الرسول -عليه الصلاة و السلام- شاء سبحانه أن يربط مولده بمعجزة كبرى تنبه الناس إلى أن رسولا قادمٌ و سوف يُحيِي دين أبيه إبراهيم.

ولادته:

ولد عليه الصلاة والسلام في الثاني عشر من ربيع الأول (عام الفيل)،تروي لنا السيـدة آمنة بنت وهب حين حملت برسول الله -صلى الله عليه وسلم- فتقول: رأيت في منامي نورا يخرج مني فأضاء ما بين المشرق و المغرب حتى رأيت عـلى ضوئه قصور أرضِ الشام، و سمعت هاتفا يهتف بي: "إنك قد حملت بسيد هذه الأمة".

كما تقول زوجة ابن العاص: "كنت مع السيدة آمنة بنت وهب وقت ولادتها لرسول الله فما كنت أنظرإلى شيء في البيت إلاّ أجده نورا، و لقد رأيت النجوم تدنو، حتى خشيت أن تقع عليّ.

وفي يـوم مولده انكسـر إيوان كسـرى و سقـطـت منه أربعة عشر شرفة و انطـفأت نارُ فارس التي كانوا يعبدونها من دون الله وكان قد مضى عليها مشتعلةً ألفُ عام.

رضاعته:

تحكي لنا السيدة حليمة السعدية فتقول:" خرجت مع المرضعات إلى مـكـة و كل منا تأمُل أن تأخذ طفلا من أسرة غنية حتى يكون أجـرُ رضاعـتها كبيرا. كنت أركب حماري الضـعيف، و أحمل طفلي الرّضيع و بجواري يسير زوجي و معنا ناقة عجوز ليــس بضِرعها لبن.

أخذت أسْتَحِث حماري كي لا أتـأخر عنهن لكنه كان ضعيفا فتأخرت عن المرضـعات، و حين وصلنا عُرض علينا محمد ا بن عـبد الله فكلنا رفضنا أن نأخذه لأنه يتيم، و أجرُ رضاعتـه سـيكون قليلا، فقلت لزوجي لا بأس، هيا نأخذه عسى الله أن يجعل لنا فيه بركة.

كان اللبن في ثديي قليلا إلى درجة أنه لا يكفي ابني وحده لذلك كان ضعيفا و كثير البكاء، لكن ما إن أخذت محمدا و وضعته على رجلي لأرضعَه حتى شعرت باللبن و كأنه يملأ كل جسمي.

رضع محمد حتى شبع، و رضع ابني حتى شبع، و بينما أنا في دهـشـتي و تعجبي فإذا بزوجي ينادي يا حليمة: لقد حدث شيء عجيب، إن ناقتنا العجوز قد امتلأ ضرعها باللبن، وا فرحتاه يا حليمة".

و لما عـدنا إلى ديارنا في بادية بني سعد أصبحت حياتنا مختلفة تماما، لقد امتلأ بيتنا سعادة و بهجة.

كانـت غنمنا تخرج لترعى فتعود آخر النهار سمينة ممتلئة باللبن، على غير عادتها مع أن المرعى ليس فيه عشب و لا خضرة، إلاّ النادرَ اليسيرَ.

كان القوم يتعجبون من أمر غنمي و يتساءلون:" لماذا تعود غنمنا هزيلة لا لبن فيها؟!و غنم حليمة مكتنزة سمينة ؟!!".

و أخيرا قالوا لرعاة أغنامهم:" اذهبوا بالغنم حيـث تــرعى غنم حـليمـة. وأصبحت الغنم كلها ترعى في مكان واحد. و مع ذلك كانت غنمي تعود أحسن من أغنامهم ببركة اليتيم محمد.

ومرت الأيام، وذات يوم خرج محمد مع أخيه من الرضاعة، يرعيان أغنامنا، وفوجئنا بأخيه يعود إلينا مسرعا ويقول: إن أخي محمدا، قد أخذه رجلان عليهما ثياب بيض، وشقا بطنه. أسرعت أنا وزوجي فـوجدت وجهه متغيرا، فاحتضنته، وقلت له: ما بك يا بني؟ فعلمت منه أن رجلين عليهما ثياب بيض، أتيا بطست من ذهب، مملوء ثلجا، ثم أخذاه فشقا بطنه، واستخرجا منـه مضغة سوداء، فرمياها، ثم غسلا قلبه وبطنه بذلك الثلج، ثم ضموه إلى صدرهم، وقبلوا رأسه و ما بين عينيه واختفيا.

إثر حادثة شق الصدر ردت حليمة السعدية الولد إلى أمه خوفا من أن يقع في مكروه. فبقي في كنف والدته إلى أن ماتت وهو في السابعة من عمره. فتولى جده عبد المطلب رعايته إلى أن مات وهو في الثامنة. فقام عمه أبو طالب بكفالته.

و في أحد الأيام اصطحب أبو طالب ابن أخيه في تجارته إلى الشام، وعـندما اقتربت القافلة من أرض الشام، كان راهب عالم اسمه بحيـرى، يقف على الجبل بجوار ديره، وفجـأة شاهد في السماء سحابة بيضاء فوق قافلة آتية من مكة، كانت السحابة تـسير مع القافلة منذ خرجت من مكة، و تلقي بظلها على الفتى محمد، لتحميه من حرارة الشمس. و في الحال أمر بحيرى بإعداد الطعام، ثم أرسل يدعو رجال القافلة إلى الطعام. و حين حضروا دقق النظر فيهم ثم سألهم هل تخلف منهم أحد عن الحضور فقالوا إنه تخلف طفل تركوه بجوار أمتعتهم، لصغر سنه فعرف الراهب أنه من يبحث عنه، وطلب إحضاره، ليتأكد منه، أتراه النبي المنتظر؟! عندما سأل بحيرا أبا طالب : ابن من هذا الفتى؟، وأجابه بأنه ابن أخيه، ثم علم بيتمه، واستيقن بأنه ليس إلا ذلك النبي الذي قرأ عنه في الكتب السماوية، نصح أبا طالب بالرجوع به إلى مكة وبأن يحذر عليه من اليهود. وأخبره بأن له شأنا عظيما.

حيـن بلغ محمد -صلى الله عليه وسلم- سـن الشباب كان يرعى غنم عمه، و كان محبوبا من كل أهل مكة لأمانته، وصدقه، حتى أنه لقب بالأمين.

سمعت به السيدة خديجة فطلبت منه أن يتاجر لها لما عرفت من خلقه وأمانته. سافر عليه السلام يصاحبه عبد لخديجة اسمه ميسرة، وعاد العبد يخبر سيدته عن الغمامة التي ظللتهما من الشمس و قسوتها، وعما رآه من سهولة التجارة والربح الذي ربحه دون غيره من الذين تاجروا للسيدة خديجة من قبل.

و ازداد قدر محمد بن عبد الله بين قومه لَمَّا فض الخلاف الذي كاد يـؤدي إلى حرب بينهم، و سبب الخلاف أن قريشا أرادت أن تجدد بناء الكعبة، فاخـتلفت في من يضع الحجر الأسود في مكانه، فيفوز بالشرف، وأقبل سيدنا محمد من بعيد، فصرخ الجميع هاهو الصادق الأمـين نرضاه حكما، فبسط رداءه ووضع فيه الحجر وطلب رؤساء القبائل أن يرفعوا الرداء من أطرافه حتى أوصلوه إلى الكعبة.

تزوج الرسول بالسيدة خديجة وولدت له أربع بنات : رقية، فاطمة، زينب، وأم كلثوم. عندما بلغ عليه السلام أربعين سنة من عمره، كلفه الله بتبليغ الرسالة. حث الإسلام على العلم فإن أول آية نزلت على النبي " اقرأ باسم ربك الذي خلق".

كانت قريش تعبد الأصنام فجاء الإسلام فطهر نفوسها وحرر عقولها.

تتابع نزول الوحي و دخل أناس كثيرون في الدين الإسلامي فقامت قريش تحارب كل من آمن به خاصة الضعفاء و الفقراء الذين تعرضوا للضرب والتعذيب والقتل و الحرق ليرجعوا عن الدين الجديد، لكن المسلمين ثبتوا على دينهم حتى تم لهم النصر.

بعد أن اشتدت مضايقة قريش للدعوة في مكة، وكثر أذاهم للمسلمين، هاجر النبي- صلى الله عليه وسلم- و معه المسلمون إلى مكة حيث كـان أهل المدينة ينتظرون النبي ليفدوه بأرواحهم وأولادهم، وكان ذلك في السنة الثالثة عشرة للبعثة.

بعد أن استقر النبي في المديـنة بدأ يعمل على تكوين الدولة الإسلامية، فألف أولا بين القلوب المتباغضة، وأزال العداوة بين القبائل المتحاربة، ثم آخى بين المهاجرين والأنصار. ثم أسس مسجد قباء، أول مسجد في الإسلام و تلاه بمسجد المدينة. ثم تفرغ الرسول لتربية المسلمين وتعليمهم مبادئ دينهم الحنيف.

لم يسـلم المسلمون من إذاية اليهود الذين لم يُبقوا وسيلة لم يحاربوا بها النبي الكريم، ولكنه تفطن إلى كل ألاعيبهم بفضل الوحي الذي كان الأمين جبـريل يأتيه به من فوق سبع سماوات. و حصل أن أهدته امرأة يهودية شاة مشوية بعد الصلح الذي أقامه مع اليهود، فقبل هديتها، ودعا أصحابه ليتناولوا معه الطعام، فحضروا، تناول الرسول صلى الله عليه وسلم ذراع الشاة ليأكل منه، وفجأة لفظ ما كان في فمه، وقال لأصحابه:" ارفعوا أيديكم، فإن الشاة قد أخبرت أنها مسمومـة"، فـامتنـعوا عن الأكل، واستدعى الرسول الـمرأة وقال لها :" ما حملك على ما صنعت؟"، فقالت:" أردت أن أعرف إن كنت نبيا نستعرف أن الشاة مسمومة، وإن كنت كاذبا أرحت الناس منك". و كان الـرسول سيعفو عن المرأة لولا أن أحد الصحابة مات متأثرا بالسم،و هو بشر بن البراء.

عظمت قوة المسلمين بالمدينة، فقام الرسول عليه الصلاة والسلام بتجهيز جيش في شهر رمضان من السنة الثانية للهجرة، وخرج لاعتراض قافلة قريش التـي كانت في طريقها إلى مكة. سمعت قريش بما عزم عليه الرسول فخرجت في جيش تحمي تجارتها، والتقى الجمعان ببـئر بدر، و كان القتال حامي الـوطيس، فقتل من المشركين سبعون رجلا وأسر منهم سبعون آخرين مع أن عدد المسلمين كان 314 مجاهدا وعدد جيش المشركين يزيد عن الألف. فانتصر المسلمون لصبرهم و صدقهم في الحرب وأخذهم برأي قائدهم. حقدت قريش على النبي عليه السـلام، و أصحابه، لِمَا أصابوا منهم في بدر، فـخــرجوا بـعد عـام للثـأر لقَتْـلاهـم، سـمـع الـرسـول -صـلى الله عليه وسلم - بما عزمت عليه قريش فجهز للقائها. تحارب المسلمون مع المشركين في جبل أحد، وبعد أن هزم الكفار راح الـمسلمون يجمعون الغنائم، مخالفين أوامر رسول الله، وهكذا عاد الكفار إلى القتال فكان النصر حليفهم.

أراد الرسول بعد ست سنوات قضاها في المدينة أن يزور بلده مكة للحج فاعترضت قريش طريقه، فرجع للمدينة بعد عقد صلح الحديبية، على أن يعود في العام المقبل. لم تحترم قريش هذا الصلح فقرر الرسول عليه السلام أن يدخل مكة فاتحا، وكان ذلك في السنة الثامنة للهجرة في جيش يبلغ عشرة آلاف مسلم، فدخلوا مكة من دون حرب، و طهر النبي الكريم البيت الكريم مـن الأصنام، ثم خاطب الكفار بقوله: " ماذا تظـنون أني فاعل بكم"؟ فقالوا :" أخ كريم و ابن أخ كريم"، فقال :" اذهبوا فأنتم الطلقاء".

تفرغ الرسـول عليه الصلاة والسلام، بعد الفتح لنشر الإسلام خارج الجزيرة العربية، فبعث إلى ملوك و رؤساء الأمم المجاورة وفودا تحمل إليهم دعوة الإسلام.

في السنة العاشرة من الهجرة، خرج رسول الله من المدينة ومعه تسعون ألف مـسلم لأداء فريضة الحج و دخلوا البيت الحرام آمنين، وفي جبل عرفة خطب الرسول خطبته الشهيرة فقال من بين ما قال:" إنما المؤمنون إخوة...، إن لنسائكم عليكم حقا...، لا فضل لعربي على عجمي...، " وودع الرسول المسلمين في هذه الخطبة فلم يحج بعدها حتى مات في السنة الحادية عشرة للهجرة و عمره ثلاث وستون سنة.

مات سيد الخلق صلى الله عليه وسلم وقد ترك من بعده رجالا أقوياء لا يضرهم من خالفهم، وهم كثرة تابَعوا طريق رسول الله، ثم حمل اللواء من بعدهم تابعوهم، ثم تابعو التابعين. وإذ جاءنا النبي الكريم بالدعوة ظهرت له خوارق كثيرة منها قصة الشاة المسمومة كانت سببا في إسلام كثير من الخلق، ونختم بإحداها:

في إحدى الغزوات، وبينما المسلمون منشغلون بالجهاد، تسلل أحد الكفار واتجه إلى المكان الذي يستريح فيه الرسول ليقتله. كان رسول الله يجلس وحده، وليس معه أحد من الصحابة و ليس معه سيف يدافع به عن نفسه.

وقف الرجل أمـام النبي و رفع سيفه ليضربـه، و قال :" يا محمد من يمنعني الآن من قتلك؟ أنا وأنت وحدنا، وهذا سيفي في يدي، وليس معـك سيف تدافع به عن نفسك، وليس بجوارك أحد يحميك مني". نظـر رسـول الله إلى السيف في يد الرجل و قال: "الله -عز و جل- يمنعك من قتلي"، و إذا بيد الرجل ترتعش و تهتز، و يسقط السـيف على الأرض. تـبـسم الرسول، و تناول السيف في يده، و قال للرجل:" من يمنعك مني"؟، فقال الرجل :" عفوك يا محمد". فقال له الرسول :" قل لا اله إلا الله، وأني رسول الله". قال الكافر:" لا، لكنني لا أقـاتلك بعد اليوم، ولا أكون معك، ولا مع قوم يقاتلونك..." فعفا عنه الرسول، وتركه يمضي لحاله.