وظائف النقود وتعريفها
تبين لنا من تطور نشأة النقود أنها جاءت للقضاء على صعوبات المقايضة من ناحية، ولتيسير عمليات التبادل التي زاد حجمها زيادة كبيرة من ناحية أخرى، ومن خلال هذا التطور الذي كان يأتي دائماً لكي يلبي حاجات المجتمع يمكن جمع وظائف النقود في قسمين:
* الوظائف الأساسية.
* الوظائف الثانوية أو المشتقة من الوظائف الأساسية.
وهناك وظيفتان أساسيتان للنقود:
* هي وسيط للتبادل.
* هي مقياس مشترك للقيمة.
وثلاث وظائف ثانوية أو مشتقة وهي:
* تستخدم كمستودع للقيمة.
* تستخدم كمعيار للمدفوعات الآجلة.
* تستخدم كاحتياط لقروض البنوك.
ولنشرح باختصار كل وظيفة على حدة:
(أ) النقود كوسيط للتبادل:
كانت صعوبات المقايضة سبباً في ظهور هذه الوظيفة، ولذلك تعتبر أقدم وظيفة للنقود هي قياسها كوسيط للتبادل، فهي وسيلة لنقل ملكية السلع والخدمات من طرف إلى طرف وبالتالي فهي (قوة شرائية) تسهّل التبادل بين طرفين دون الحاجة إلى البحث عن طرف ثالث على أساس أن أداة التبادل هذه تحظى بالقبول العام، وتمكن من حصول (تقسيم العمل) حتى تتحقق نتائج التبادل بصورة طبيعية متواصلة.
(ب) النقود كمقياس مشترك للقيمة:
الوظيفة للنقود استخدامها لقياس قيم السلع والخدمات ونسبة قيمة كل سلعة إلى غيرها من السلع. وفي هذه الحالة تصبح النقود معدلاً للاستبدال وخاصة بين السلع الكبيرة الحجم التي يصعب تجزئتها إلى وحدات صغيرة دون أن تفقد قيمتها. ومن هذه الوظيفة اشتقت وظيفة فرعية هي استخدامها كوحدة للتحاسب فالوحدة النقدية لأي دولة هي وحدة تقاس بها قيم السلع والخدمات في المجتمع. فإذا كان يمكن مبادلة آلة معينة بعشرين طن من الحنطة وكان ثمن الحنطة عشرين ديناراً، فإن هذا يعني أن ثمن الآلة 400 دينار، وفي حالة تواجد النقود ليس من الضروري أن يكون كل طرف محتاجاً لسلعة الآخر، وإنما يكفي تقديم النقود للحصول على السلعة وهكذا قضت هذه الوظيفة على صعوبات المقايضة التي كانت تقتضي ضرورة وجود اتفاق مزدوج للحاجات بين الطرفين، كما يسّرت حسابات التكاليف النسبية للمشروعات البدائل في الإنتاج وكل ما يتصل بالإنتاج من حسابات أخرى، وكذلك لتوزيع الأرباح، وتظهر أهمية هذه الوظيفة كلما كانت الوحدة النقدية ثابتة القيمة نسبيا.
(ج) النقود كمستودع للقيمة:
ليس من الضروري لمن يحصل على النقود أن يقوم بإنفاقها في الحال ولكن الذي يحدث عملياً أن الفرد ينفق جزء ويدّخر جزء آخر ليقوم بالشراء في فترات لاحقة، وطالما أن الفرد لا يحتفظ بالنقود لذاتها وإنما بقصد إنفاقها في فترات لاحقة، أو لمقابلة احتياجات طارئة، فإن النقود في هذه الحالة تقوم بوظيفة مخزن للقيمة، خاصة وأنها تتميز بسهولة حفظها، كما أنها تجنّب الفرد تكاليف التخزين والحراسة، فضلاً عن أن حفظ السلع لفترات طويلة قد يعرضها للتلف.
ولكن يشترط لكي تؤدي النقود هذه الوظيفة على الوجه الأكمل، أن تحتفظ بقيمتها النسبية لفترة طويلة، وهذا يعني الثبات النسبي لكل من العرض والطلب حتى يظل مستوى الأثمان ثابتاً. ولكن قيام الحرب العالمية الأولى وما تلاها من أحداث أدى إلى الارتفاع المطرد لأثمان السلع والخدمات مما ترتب عليه انخفاض قيمة النقود.
وفي مواجهة ذلك لجأ الأفراد إلى الاحتفاظ بالقيمة في صورة أسهم وسندات وبعض السلع المعمرة كالعقارات وغيرها. ومن مزايا الاحتفاظ بالقيمة في هذا الشكل أنه يدرّ عائداً لصاحبه في صورة ربح أو فائدة أو ريع، فضلاً عمّا تحققه من أرباح رأسمالية إذا ما ارتفعت الأسعار ولكنها من ناحية أخرى قد تحقق له خسائر رأسمالية إذا انخفضت الأسعار. ومع ذلك قد يفضل الأفراد الاحتفاظ بالقيمة في صورة نقود لأنها تعتبر أصل كامل السيولة خاصة وأن هناك دوافع تقتضي الاحتفاظ بالقيمة في هذا الشكل منها دافع المعاملات ودافع الاحتياط ودافع المضاربة.
(د) النقود كمعيار للمدفوعات الآجلة:
عندما أصبح الإنتاج للسوق أدى التخصّص وتقسيم العمل إلى كبر حجم الوحدات الإنتاجية ومنعاً لتكدس المنتجات واستمرار الإنتاج اقتضى النظام الاقتصادي تسويق المنتجات على أساس العقود.
فالعقد يتمّ في الوقت الحاضر على أساس أثمان معينة والتسليم يتمّ في وقت لاحق، لذلك كان لابد من معيار يتم على أساسه تحديد الأثمان، وقد استطاعت النقود أن تقوم بهذا الدور.
وفي مقابل قيام الشركات بالإنتاج الآجل قامت البنوك بإقراض الشركات لتمويل المستودعات، وبذلك يسّرت النقود التوسيع في عمليات الائتمان، وكذلك استطاعت الحكومات أن تحقق مشروعاتها على طريق إصدار السندات، فتحصل بمقتضاها على الأموال اللازمة على أن يتمّ سداد القرض في آجال لاحقة. وهنا نجد أن النقود قد استعملت كوسيلة للمدفوعات الآجلة وإذا كنا قد لاحظنا أن النقود تفقد صفتها كمستودع للقيمة في أوقات التضخم العصيبة، فإنها تفقد أهميتها كمعيار للمدفوعات الآجلة كلما تزعزعت ثقة المتعاملين فيها وعندئذٍ يقلّلون من التعاقد للمستقبل، لذلك يشترط لكي تقوم النقود بهذه الوظيفة أن تظل محتفظة بقيمتها لفترة طويلة نسبياً، أي لابد من توافر الثقة بين المدين والدائن، بأن وحدة النقود لن تتغير قيمتها عند وقت السداد عنها في إبرام العقود.
(هـ) النقود الاحتياطية لقروض البنوك:
إن وجود كمية من النقود في البنوك من شأنها تمكين البنوك من إقراض عملائها وتيسير عمليات الائتمان والاقتراض، فإذا كان لدى المتعاملين مع البنوك مبلغ من النقود فإنهم يستطيعون على أساسه (سواء أودع في البنك أم لم يودع) أن ينالوا قرضاً أو يفتح لهم اعتماد.
2- تعريف النقود:
من دراستنا لماهية النقود ووظيفتها يمكن أن نلخص بالتعريف التالي، النقود: هي الشيء الذي يلقى قبولاً عاماً في التداول، وتستخدم وسيطاً للتبادل ومقياساً للقيم ومستودعاً لها، كما تستخدم وسيلة للمدفوعات الآجلة واحتياطي لقروض البنك، أي أنها مجموعة وظائفها التي ذكرناها ولذلك فإن التعريف الموجز للنقود هو (أن النقود: هو كل ما تفعله النقود) فإذا وافقنا على هذا القول فإننا نكون قد أكّدنا بأن أي شيء يقوم بوظيفة النقود يكون بالفعل نقوداً، أي أن العملة المسكوكة الذهبية والفضية والأوراق التي تصدرها الحكومة، والأوراق التي تصدرها البنوك والشيكات، وكمبيالات التبادل وحتى السندات (بحسب اعتبارها نقود) ولو أنها كلها لا تؤدي وظائف النقود بذات المستوى والكفاءة. وأفضل أنواع النقود هو الذي يستطيع أن يؤدي وظائفها على أتم وجه، أي أن يتمتع بصفة القبول العام بحرية تامة، وهنا يمكن القول أن العملة ذات القيمة الموجودة فيها (كالعملة الذهبية والفضية) هي أكثر أنواع النقود قبولاً، وتليها العملات التي تتمتع بثقة الجمهور أكثر من غيرها لأسباب اقتصادية وسياسية واجتماعية، وهكذا حتى نهاية سلسلة أدوات التبادل التي يمكن أن تدخل ضمن تعريف النقود.
3- مكانة النقود وأهميتها في النظم الاقتصادية المختلفة:
أ – النقود في الاقتصاد الرأسمالي:
لقد كانت الفكرة التي سيطرت على جميع النظريات (المركانتيلية) القديمة من القرن الخامس عشر حتى القرن الثامن عشر، هي أن النقود هي الشكل الأمثل للثروة، أو (سيدة الثروات) وهي فكرة ترتكز على الإيمان الجازم بهيمنة الثروة النقدية - أو بعبارة أوسع المعادن الثمينة على سائر أشكال الثروات وأنواعها.
وكانت سياسة الدول في ذلك الحين تتجه نحو زيادة الموجود من النقود في البلاد، صحيح أن هناك نظريات مركانتيلية عدة، لكنها جميعاً كانت تضع نصب أعينها هدفاً أساسياً واحداً، هو زيادة الاحتياطي من النقود المعدنية في البلاد ومن أجل الوصول إلى ذلك اهتمت الحكومات بتشجيع تصدير البضائع والحد من الاستيراد. لكن المبدأ لم يدم طويلاً، حين ظهر خطأه سريعاً إلى أن اختفى ولم يعد يظهر إلا في حملة آراء الاقتصاديين التقليديين والواقع أن النقود - حتى الذهب والفضة - ليست شيئاً بحد ذاتها، إنها ليست سوى واسطة للتبادل من الوجهة الاجتماعية، وهذه الوظيفة واسطة للتبادل، يمكن أن تمارس بصورة تامة ولو كانت النقود من النوع الذي ليست فيه قيمة حقيقية بحد ذاتها كالنقود الورقية أو التي ليس لها سند مادي.
أما إذا لم ننظر إلى الموضوع من وجهته الاجتماعية ونظرنا إليه من وجهته الفردية فإن من البديهي الملاحظة بأن من يحوز على نقود يستطيع أن يحصل مقابلها في السوق على أي سلعة يشاء وفي أي وقت يشاء، وذلك بفضل الوظائف التي تعطي النقود قوة شرائية عالية حيال سائر أنواع السلع والثروات الأخرى، ولكن الخلط بين الدور الفردي الذي تقوم به النقود والدور الاجتماعي هو الذي قاد بعض الاقتصاديين التقليديين ولاسيما المركانتيليين إلى إعطاء النقود مكانة الصدارة على سائر الثروات بحيث أصبحت (سيدة الثروات) ولكن إذا أخذ في الاعتبار أن النقود ليست لها منفعة مباشرة بحد ذاتها، وأن من يحوزها لا يستطيع أن يحصل على ما يريد من السلع إلا إذا وجدت هذه السلع بالفعل في السوق وفي الوقت المطلوب، فإننا نجد أنه يجب أن توجد في السوق سلع يكون عرضها قادراً في كل لحظة على مواجهة الطلب الناجم من استخدام النقود، فإذا لم توجد هذه السلع في السوق، وإذا كانت أداة الإنتاج غير منظمة بحيث تستطيع أن تلبي حاجة الطلب عندما يتزايد الطلب، فإن هذا الطلب سوف يتجاوز العرض وترتفع بالتالي الأسعار إلى الحد الذي يؤدي فيه ارتفاع الأسعار إلى تنحية قسم من المشترين، أولئك الذين يكونون أقلّ استعمالاً للشراء أو الذين يكونون في حوزتهم نقود أقل.
وهكذا فإن الوجهة الفردية فيما يتعلق بالنقود لا ينبغي أن تحجب الوجهة الاجتماعية فعندما يولد عدم توافق في تطور هاتين الوجهتين مع بعضها بصورة منسجمة أي عندما يحوز الأفراد على مبلغ من النقود تمنحهم قوة شرائية تفوق ما هو معروض للبيع فإن هذه القوة الشرائية تضعف ويفقد هؤلاء الأفراد جزءاً من منفعة النقود الموجودة بحوزتهم.
ولتكوين فكرة واضحة عن أن النقود ليست شيئاً من الوجهة الفردية إذا كانت لم تقترن بإنتاج موازي للسلع من الوجهة الاجتماعية فإنه يكفي أن نتصور اقتصاداً تكون فيه الموجودات من النقود مكتنزة عند الأفراد دون مقابلها من سلع وخدمات بقصد البيع، ففي مثل هذه الظروف إذا أراد الأفراد أن يستخدموا نقودهم للحصول على السلع والخدمات وإن العرض الذي يفترض أن يواجه طلبهم يكون مصوناً وتفقد النقود قوتها الشرائية ولا يعود لها مطلقاً أي منفعة من الوجهة الفردية.
نستخلص مما تقدم أنه عندما نسعى إلى تحديد مكانة النقود وأهميتها في الاقتصاد الرأسمالي فإن علينا تجنّب الوقوع في الخطأ الذي وقع فيه (المركانتيليون) وغيرهم في الماضي وإذا انطلقنا من وظائف النقود التي شرحناها فإننا نلاحظ فائدة دراستنا للظواهر النقدية، ذلك لأن النقود تسهل التبادل من كل نواحيه، كذلك فإن وظيفة النقود المتعلقة بحفظ قيمة النقود لهي وظيفة لا غنى عنها لتمكين الاقتصاد القائم على المبادلة من أن يتطور وينمو.
والواقع أن الاقتصاد الرأسمالي يرتكز على أساس ملكية الأفراد لأدوات الإنتاج، وإن الإنتاج هو إنتاج تلقائي يتم عن طريق قوى السوق وجهاز الأثمان الذي يلعب الدور الحيوي في توزيع القوى الإنتاجية، بعبارة أخرى السوق وحركات الأثمان هي الأساس في التنسيق في الاقتصاد الرأسمالي، وفي هذا الاقتصاد لا تكمن أهمية النقود فقط في كونها وسيطاً للتبادل، بل هي تدخل في معاملات السوق على هيئة الأثمان، فإن كل طلب على سلعة يوجد مقابله عرض للنقود، والعكس بالعكس.
ونحن نعلم أن الأثمان تتشكل في النظام الرأسمالي عندما يحدث توازن بين الكمية المعروضة والكمية المطلوبة. وبما أن كل عرض للنقود يجب أن يقابله طلب على السلعة والعكس بالعكس لذلك فمن الضروري أن تكون كمية النقود قيد التداول كافية بالنسبة للحاجات ولكن ليس أكثر منها. حتى لا يختل المستوى العام للأثمان بسبب تزعزع كمية التداول النقدي. أي لا يجب أن ترتفع الأثمان بسبب فائض في كمية النقود المتداولة، أو تنخفض الأثمان بسبب شحّ في النقود المتبادلة.
ولكي يبقى المستوى العام للأثمان ثابتاً مستقراً فإنه يجب أن يبقى توازن بين كمية النقود المتداولة وكمية السلع المتبادلة، ويجب أن تتوازى كمية النقود مع الحاجات ومع كمية المنتجات المعروضة. وإلا فإن مستوى الأثمان يتعرّض لهزات سيئة وكذلك المستوى العام للأثمان أي القوة الشرائية.