بسم الله الرحمن الرحيم
مَفهومُه : اسمٌ منصوبٌ على تقديرِ (في) يُذْكَرُ لبيانِ زمانِ الفِعْلِ أو مَكانِهِ .
أمْا الأصلُ اللغويُّ لمفهومِ الظرفِ فهو ما كان وعاءً لشيءٍ ، وتُسمى الأواني ظروفا ، لأنها أوعيةٌ لما يُجْعَلُ فيها . وسُميتْ الأزمنةُ والأمِكنَةُ ظروفاً، لأنّ الأفعالَ تَحَصلُ فيها ، فصارتْ كالأوْعِيَةِ لها .
ففي مثل "جاءتْ السيارةُ صباحاً ، ووقفتْ يمينَ الشارِعِ ، لِيَرْكَبَ الراغبون . تَدُلُّ كَلِمةُ (صباحاً) على زَمَنٍ معروفٍ ، وتتضمّنُ في ثناياها معنى الحرفِ (في) الدالِ على الظَرفيةِ . بحيثُ نَستطيعُ أن نَضَعَ قَبْلَها هذا الحرفَ ونقولُ جاءتٍْ السيارةُ في صباحٍ ، ووقفتْ يَميَنَ الطريقَ ، فلا يَتَغَّيرُ المعنى مع وُجودِها ، ولا يَفْسُدُ صَوْغُ التركيبِ . فكأنُها عِنْدَ حَذْفِها موجودةٌ، لأنّها تُراعى عِنْدَ تأديةِ المعنى ، ولأنَّ كلمةَ (صباحاً ) تُرشِدُ إليها وتُوَجّهُ الذِّهْنَ لمكانِها . فهي – إذاً – مُقَدَّرةٌ ومَلحوظَةٌ في الجملةِ . وهذا هو المقصودُ من أنَّ كلمةَ
(صباحاً) تَتَضَمّنُها.
ولو غيّرنا الفعلَ (جاءَ) ووضعنا مكانَهُ فعلاً آخرَ ، مثل : وَقَفَ ، ذَهَبَ ، تَحَرّك … لَبقيت كلمةُ (صباحاً ) على حالها من حيث الدلالةُ على الزمن المعروف ومن تَضَمُّنِها معنى (في) وهذا يَدَلُّ على أنَّ تَضَمُّنَها معنى (في) مُسْتَمِرٌّ ومُتّبَعٌ في مُخْتَلَفِ الأحوالِ مَعَ أفعالٍ كثيرةٍ مختلفة المعنى ، بخلافِ لو قُلنا : الصباحُ مُشْرِقٌ – صباحُ الخَميسِ مُعْتَدِلٌ – فإن كلمةَ (الصباح) في المثالين واشباهِهما – تَدُلُّ على الزَمنِ المعروفِ . ولكنها لا تَتَضَمَّنُ معنى (في) . فلو وضعناها قبلَها تفسد الأسلوبُ والمعنى ، إذ لا يَصِحُّ (في الصباحِ مُشْرِقٌ ) ، ولا (في صباح الخميسِ معتدلٌ) ومِنْ أجلْلِ هذا لا تَصِحّ تَسْمِيَهُ (الصباح) في هذين المثالين ظَرْفَ زمانٍ مع أنها تَدُلُّ على الزمانِ فيهما .
وَتدُلُّ كلمةُ (يمين) في المثالِ الأوّلِ وهي اسمٌ ، على المكانِ لأنّ معناها وَقَفتْ السيارةُ في مكانٍ هو : جِهَةُ اليمينِ ، وهي مُتَضَمِنّةٌ معنى (في) إذْ تَستطيعُ أن تقولَ : وَقَفَتْ في جهةِ اليمينِ ، فلا يَتغيرُ المعنى . ولوغَيّرْنا الفعلَ وجِئنا بآخرَ فآخرَ لظلتْ كَلمةُ (يمين) على حالِها من الدلالةِ على المكان . ومن تَضَمُّنِها معنى (في) باستمرار . بخلافِ قولنِا : اليمينُ مَأمونةٌ – إنَّ اليمينَ مأمونةٌ – خَلَتْ اليمينُ (اليدُ اليُمنى) ، فإنّها في هذه الأمثلة وأمثالها ، لا تَتَضَمَّنُ معنى (في) ويَفْسُدُ المعنى والأسلوب بمجيئها ، إذْ لا يقُالُ في اليمينِ مأمونةٌ ، ولِهذا لا يَصِحُّ تَسميَتُها ظرفَ مكانٍ لِذا سُمّيتْ كلمةُ (صباحا) في المثالِ الأول ونَظائرُها ظروفَ زمانٍ ، وكلمةُ يمينٍ ونظائرُها . ظَرْفَ مَكانٍ
نوعا الظرف – الظَّرْفُ نوعان : ظرفُ زمانٍ وظرفُ مكانٍ
فظرفْ الزّمانِ : ما يدلُّ على وَقتٍ وَقَعَ فيه الحَدَثُ ، مثل : سافَرْتُ ليلاً
وظرف المكان : يَدلُّ على مكانٍ وَقَعَ فيه الحَدَثُ ، مثل : سِرْتُ فَوقَ الرملِ .
والظرفُ سواءٌ أكان زمانيا أم مكانيا ، إمّا مُبْهَمٌ أو محدودٌ – مُؤَقتٌ ومُختَصٌ – وإما مُتَصَرِّفٌ أو غيرُ مُتصّرِفٍ .
ثانياً : الظّرْفُ المبهمُ والظّرْفُ المحدودُ
المبهمُ من ظروف الزمان : ما دل على قَدْرٍ من الزمانِ غيرِ مُعّينٍ ، مثل :
أبَدٍ وأَمَدٍ وحينٍ ووقتٍ وزمانٍ .
والمحدود – الموقت ، المختص – ما دَلّ على وقت مُقَدّرٍ مُعَيّنٍ ومحدودٍ ، مثل :
ساعةٍ ويومٍ وليلةٍ وأسبوعٍ وشهرٍ وسنةٍ وعامٍ .
ومنه أسماء الشهور والفصول وأيام الأسبوع وما أضيف من الظروف المبهمة إلى ما يُزيلُ
إبهامَهُ ، مثل : زَمانُ الرّبيعِ وَوَقتُ الصيفِ .
والمبهم من ظروف المكان : ما دل على مكان غير مُحدّدٍ – اي ليس له صُورةٌ تُدرَكُ بالحسّ الظاهِر ، كالجهاتِ السّتِ وهي : 1) أمام – قُدّام - 2) وراء (خلف) 3) يمين 4) يسار – شمال 5) فوق 6) تحت
ومثل أسماء المقادير ، مثل : ميل ، كيلومتر ، وقَصبة وغيرُها . فهي وإن كانت معلومةَ المسافةِ ، والمقدارِ ، فإن إبهامها حاصلٌ من ناحية أنها لا تَخَتَصُّ بمكانٍ مُعَيْنٍ .
ومثل : جانب ومكان وناحية وغيرها .
ثالثاً : الظرفُ المُتَصَرِّفُ والظرفُ غيرُ المتصرفِ
يكونُ الظرّفُ بنوعيهِ – الزمانِ والمكانِ – مُتَصَرِّفاً وغيرَ مُتَصَرّفٍ .
الظرف المتصرف : هو الذي لا يلازمُ النصبَ على الظرفيةِ ، وإنما يَتْرُكها إلى حالاتٍ أخرى من الإعراب . فيكون مبتدأ وخبراً وفاعلاً ومفعولاً مثال الزمان المتصرف :
يومُكم سعيدٌ
إنَّ يومَكمُ سعيدٌ
انْتَظَرْنا اليومَ السعيدَ
سيأتي يومٌ سعيدٌ نَفْرَحُ فيه
ومثال المكان المتصرف :
يَمينُك أوسعُ من شِمالِكَ
لا تنظرْ إلى الخلفِ ! بلْ انْظُرْ إلى الأَمامِ دائماً .
لتكن وجُهَتُكَ اليسارَ .
) ثمانيةَ أخماسِ الكيلومتر .
الميلُ يساوي (
الظرف غير المتصرف : وهو الذي لا يفارق الظرفية الزمانية والمكانية إلى غيرهما من الحالات الإعرابية الأخرى ، بل يظل على حالته – الظرفية – أينما وَقع في الكلام .
والظرفُ غيرُ المتصرفِ نوعان :
النوعُ الأولُّ : ما يُلازِمُ النصبَ على الظرفيةِ أبداً ، فلا يُسْتَعْمَلُ إلا ظرفا منصوباً . مثلِ : قَطُّ وعَوْضُ وبَيْنا ، وبَيْنَما وإذْ وأيّانَ وأني وذا صباحٍ وذات ليلةٍ ، ومنه ما رُكِّبَ من الظروف : (صباح مساءَ ) ، (وليلَ ليلَ ) ، (ليلَ نهارَ) .
والنوع الثاني : ما يُلازِمُ النصبَ على الظرفيةِ ، أو الجرّ بمن أو إلى أو حتى أو مُذ أو منذ . مثل بعد وفوق وتحت ولدى ولدن وعند ومتى وأين وهنا وثمّ وحيثُ والآنَ .
رابعاً : ناصِبُ الظّرْف – العاملُ فيه –
ناصبُ الظرفِ – الذي يُسُبْبُ نَصْبَهُ – هو الحَدَثُ الواقعُ فيه من فِعْلٍ أو شِبهِ فعلٍ : المصدرُ ، واسمُ الفاعلِ واسمُ المفعولِ .
وهو إما ظاهر مثل : وقَفْتُ قُرْبَ الإشارةِ
صُمْتُ يَوْمَ الاثنينِ
هو واقِفٌ أمامَكَ
خليلٌ عائدٌ يومَ الأربعاءِ
وإمْا مُقَدَّرٌ مثلُ قولِكَ "ميلين" جواباً لمن سَألَكَ كَمْ سِرْتَ ؟
و"ساعتين " لمن سألَكَ كَمْ مَشَيْتَ ؟
وإما مُقَدَّرٌ وجوباً مثل : أنا أمامَكَ والتقدير أنا كائن أو مستقر أو واقفٌ أمامَكَ .
- فمثال الفعل : عُدْتُ إلى البيتِ مساءً
ومثالُ المصدرِ : المشيُّ يمينَ الطريقِ أسْلَمُ
والَجرْيُ وراءَ السياراتِ خطرٌ
ومثال اسم الفاعل : العصفورُ مُحَلّقٌ فوقَ البُرْج
ومثال اسم المفعول : اللْوحْةُ مَرسومةٌ تحتَ الماءِ
خامساً : نَصْبُ الظرفِ
يُنْصَبُ الظرفُ الزمانيُّ دائماً ، سواءٌ أكان مُبهماً أو محدوداً – مُخْتَصّا - ، مثل :
انتظرتُه وقتاً طويلا ً
ويصومُ المسلمون شَهْرَ رَمَضانَ
شريطةَ أن يَتَضَمَّنَ الظرفُ معنى (في) . فإن لم يتضمن معنى (في) أُعْرِبَ حَسَبَ مَوْقِعِهِ في الجملة : مثل
مضى يومُ الخميسِ
يومُ الأحدِ مَوْعِدُنا
نَنْتَظِرُ ليلةَ الميلادِ بِصَبْرٍ
ولا يُنصبُ من ظروفِ المكانِ إلاّ شيئان :
أ- ما كانَ مُبْهَما أو شِبْهَ مُبْهَمٍ ، ويتضمن معنى (في)
فالأول مثل : جَلَسْتُ قُرْبَ التلفزيون
والثاني مثل : سِرْتُ ميلاً
فإن لم يتضمن معنى (في) أُعْرِبَ حَسَبَ مَوْقِعِهِ ، مثل :
الميلُ مسافةٌ أرضيةٌ
الكيلومتر ألفُ مترٍ
ب- ما كانَ مُشْتَقاً من الظروفِ ، سواءٌ أكان محدداً أم مُبهما ، شريطةَ أن يُنصبَ بفعْلِهِ المُشْتَقّ منه ، مثل : جَلَسْتُ مَجْلِسَ أهلِ العِلمِ ، وذهبتُ مَذْهَبَ العُقلاء ِ .
أما إذا كان من غيرِ ما اشْتُقَّ منه عامِلُه ، وَجَبَ جَرُّهُ مثل : أقمتُ في مَجْلِسِكَ ، وسِرْتُ في مَذْهَبِ العقلاءِ . أما ما كان من ظروفِ المكانِ محدوداً غيرَ مشتقٍ ، لم يَجُزْ نَصبُهُ ، بل يجب جَرُّهُ بـ(في) . مثل : جلستُ في الدارِ ، وأقمتُ في البَلَدِ وصليتُ في المسجدِ .
سادساً : مُتَعَلّقُ الظّرف
كُلُّ ما نُصِبَ من الظرفِ يَحتَاجُ إلى ما يَتَعَلَّقُ بهِ الظرفُ أو يَرْتَبِطُ به في المعنى ، من فعلٍ أو شبهِ فعلٍ ، ويُشارِكُ الظرفَ في التعلقِ حروفُ الجرّ ، التي تحتاجُ إلى ما يرتبطُ معناها بِهِ .
وما يَتَعَلّقُ بهِ الظرفُ إمّا أن يكونَ مَذكوراً ، وإمّا أن يكونَ محذوفاً .
مثل : حَضَرْتُ صباحاً . حيث ارتبط الظرف صباحاً بالحضور – حَضَرَ – ومثل : يَقِفُ الطفلُ أمامَ البابِ ، حيث ارتبطَ الظرفُ أمامَ بالوقوف – وقفَ –
ويُحْذَفُ ما يَتَعَلّقُ بهِ الظرفُ ، إذا كان كوناً خاصاً ، ودلَّ عليه دليلٌ ، مثلُ :
أمامَ البابِ ، لمن يسألُ أين يَقَفُ الطّفْلُ ؟
ويُحْذَفُ ما يَتعلقُ به الظرفُ وجوباً في ثلاثة مواقع :
1- أن يكونَ كَوْناً عاماً ، يصلح لأن يُرادَ به كلُّ حَدَثِ ، مثل موجود وكائن وحاصل . ويكون
المتعلق المقدر إما خبراً مثل : الكتابُ فَوقَ المكتب ومثل : الجَنّةُ تَحْتَ أقدامِ الأمهاتِ .
والتقدير الكتاب موجود ، والجنة كائنة
وإمّا أنْ يكونَ صفَة مثلُ : مررتُ برجلٍ عنَد البابِ . والتقدير واقفٍ
وإمّا أنْ يكونَ حالاً مثلُ : رأيتُ القمرَ بينَ السُّحُبِ . والتقدير مستقراً
وإمّا أنْ يكونَ صلة ، مثلُ : جَاَء مَنْ عِنْدَهُ الخبرُ اليقينُ . وفي هذه الحالة يكونُ المتعلقُ فعلاً مثل (يوجد) : جاء من يوجد عنده الخبر اليقين .
سابعاً : النائبُ عن الظرفِ
يكثرُ حَدّفُ ظرفِ الزمانِ المضافِ إلى المصدر ، ويقومُ المصدرُ مَقامَهُ ، فَيُنصَبُ مَثَلَهُ باعتباره نائباً عنهُ . وذلك بشرطِ أنْ يُعَيّنَ المصدرُ الزمنَ ويَوَضِّحَهُ ، أو يُبينُ مِقدارَهُ ، فمثالُ الأولِ : أَخرجُ إلى العَمَلِ شروقَ الشّمسِ وأعودُ غروبَها . فَحَذْفُ الظرفِ الزمانيِّ "وقتَ " وقامَ المصدرُ (شَروقَ وغروَب) مقامَهُ .
ومثالُ الثاني : سأغيبُ عَنّك غَمْضَةَ عَيْنٍ = قَدْرَ غمضةِ عَيْنٍ
و : انتظرْتُهُ كتابهَ صَفحةٍ = مُدّةَ كتابةِ صفحةٍ
و : أقمتُ في المدينة راحة المسافرِ = مقدارَ استراحةِ المسافرِ
أما نيابةُ المصدرِ عن ظرفِ المكانِ فقليلةٌ . مثل : وقَفْتُ قُرْبَ الإشارَةِ ، أي مكاناً قربَ الإشارةِ .
وينوبْ عن الظرفِ – غيرُ المصدرِ :
1- صِفَةُ المصدرِ ، مثل : انتظرتُ طويلاً من الوْقتِ = انتظرتْ زماناً طويلاً
ومثل : جَلَسْتُ شَرْقيَّ المْنزِلِ = جَلَسْتُ مَجلِساً شرقّي المنِزل
2- عَدَدُ المصدرِ ، شريطةَ أنْ يوجَد ما يدل على أنه عددُهُ ، كالإضافةِ للظرفِ . مثل سِرْتُ مَشْياً ثلاثَ ساعاتٍ ، قطعتُ فيها ثلاثةَ أميالٍ .
3- المضافُ إلى الظرفِ ، مما يدلُّ على كليةٍ – على الكل – أو على بعضية – على بعضٍ – مثل :
صُمْتُ كُلَّ النّهارِ . نصْفَ النهارِ ، بَعْضَ النهارِ
ركضتُ رُبْعَ ميلٍ . نِصْفَ ميلٍ ، ثُلْثَ مِيلٍ
ثامناً : الظرفُ المُعرَبُ والظرفُ المبْنيُّ
الظروفُ كلّها معربةٌ متغيرة حركة الآخر ، إلا ألفاظاً محصورةً . منها ما هو للزمان ومنها ما للمكان . ومنها ما يُسْتَعْمَلُ للدلالةِ على الإثنين .
فالظروفُ المبنية المختصةُ بالزمانِ هي : إذ ومتى وأيانَ وإذْ وأمس والآن ومُذ ومُنْذُ وقَطُّ وعوضُ وبينا وبينما ورَيثما وكيف وكيفما ، ولمّا .
ومنها ما رُكّب َمن ظروف الزمان ، مثل : أزورُ المكتبة صباحَ مساءَ - وليلَ ليلَ - ونهارَ نهار- ويومَ يومَ . والمعنى كلّ صباح وكلَّ مساءٍ وكلَّ نهار وكلّ يوم .
والظروف المبنية المختصة بالمكان هي : حيثُ وهُنا وثَمَّ وأيْنَ
ومنها ما قُطِع من الإضافةِ لفظاً من أسماءِ الجهاتِ الستّ : أمامُ وقدامُ وخلفُ وفوق وتحت ويسار ويمين.
والظروفُ المبنيةُ المشتركةُ بين الزمانِ والمكانِ هي : أنّى ولدى ولدُنْ ومنها قبلُ وبعدُ في بعضِ الأحوالِ .
الظروفُ المبْنيّةُ وأحكامُها :
1- قَطُّ : ظرفٌ للماضي على سبيل الاستغراقِ ، يستغرقُ جميع الزّمن الماضي ، وهو مُشْتَقٌ من قَطَّ أي قَطَعَ ، إذ معنى ما فعلته قطُّ : ما فعلته فيما انقطع من عمري . ويؤتى به بعدَ النفيّ أو الاستفهام لنفي جميع أجزاء الماضي أو الاستفهام عنها . ومن الخطأ أن يُقالَ: لا أَفعَلُهُ قَطُّ ، لأن الفعلَ دالٌ على المستقبل ، وقَطُّ ظرفٌ للماضي .
نقول : لم يستسلمْ المواطنُ لمعتدٍ قَطُّ ، ولم يتوقفْ عن الذّوْدِ عن حقِهِ .
2- عُوضْ : والمشهورُ عند النحاة بناءُ (عُوضُ ) على الضّم ، ويجوزُ فيه البناءُ والكسرُ . أما إذا أضيفتَ فهو مُعْرَبٌ منصوبٌ في مثل : لا أفعلُ السوءَ عوضُ الدّهْرِ .
ويُستعمل (عُوضُ) بَعْدَ النفي أو الاستفهام للدلالةِ على نفي جميعِ أجزاءِ المستقبلِ أو الاستفهامِ عن جميع ِ أجزائِهِ . فإذا قُلْتَ : لا أفعلُ هذا الأمرَ عُوَضُ ، كان المعنى لا أفعله في زمنٍ من الأزمنة القادمة ِ .
بينما وبينا ، وبَيْنَ : بينما وبينا ، ظرفان للزمان وهما تتصلان بالجملة الإسميةِ كثيراً ، وبالفعليةِ قليلاً ، وأصلهما (بين) و (ما) في بينما ، و (الألفُ) في بينا زائدتان ، ويرى بعضُ النحويين إضافَتََهما إلى الجملة بعدَهما ، بينما يرى آخرون عدمَ إضافتهما ، لما لحِقَهما من زيادةٍ تُكفَّهما من عملِ الإضافةِ ، وهو رأيٌ بعيدٌ عن التّكَلفُِ .
نقول : وَقَفْتُ بينما الركبُ سائرٌ .
سِرْتُ بينا تَوَقْفَ الرّكْبُ .
أما (بينَ) فهي ظرفٌ مبنيٌ للزمان ، إذا أضيفتْ إلى الزمانِ ، وظرفٌ للمكانِ إذا أضيفتْ إلى المكانِ .
فهي ظرفٌ زمانٍ في قولنا : أعودُ من العَملِ بَيْنَ الساعةِ الرابعةِ والخامسةِ .
وهي ظرفُ مكانٍ في : أسْكُنُ بَيْنَ الدوّارِ الثاني والثالثِ .
4- إذا : ظرف لِلمُسْتَقْبَلِ في الغالب لا يَتَضَمنُّ معنى الشرّطِ ، ويَخْتَصُّ بالدخولِ على الجملِ الفعليةِ ، ويكونُ الفعلُ معهُ في الغالب دالاً على الماضي . مثل قوله تعالى "وإذا رأوا تجارة أو لهواً انفضوا إليها" وقد يكون الفعل معها دالاً على الوقت الحاليِّ . مثل : قولِهِ تعالى "والليلِ إذا يغشى" .
والغالب في استعمالها أن تَتَضَمَّنَ مع الظرفيةِ معنى الشرطِ ، دونَ أن تَجْزِمَ ، فتحتاجُ بعدها إلى جملتين : تحتوي الأولى على فعل الشّرْطِ ، والثانيةِ على الجوابِ . مثلُ : قولِهِ تعالى "إذا جاءَ نَصْرُ اللهِ والفَتْحُ ، ورأيتَ الناسَ يدخلون في دين اللهِ أفواجاً ، فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبّكَ واستغفرْهُ إنّهُ كانَ تَوّابا" . وعندئذٍ تكونُ مضافةً إلى جملةِ فعلِ الشّرْطِ . ويكونُ عاملُ نَصْبِها ما يُوجَدُ في جملةِ جوابِ الشرطِ من فِعْلٍ أو شبهِ فِعْلٍ .
5- إذ : ظَرْفٌ للزمانِ الماضيِ . مثل : وَصَلْتُ إذْ غابَتْ الشّمْسُ .
وقد تكونُ ظرفاً للمستقبلِ ، مثل : "فَسّوفَ يعْلَمونَ إذْ الأغلالُ في أعناقِهم" وهي مبنيةٌ على السكونِ في محلِ نصبٍ على الظَّرفيّةِ ، وهي دائماً مضافةٌ إلى الجملةِ بَعَدها .
وقد تُحْذَفُ الجملةٌ بَعْدَ إذْ ، ويعوّضُ عنها بتنوينِ العوَضِ* ، مثلُ : قولِهِ تعالى " فلولا إذ بلَغَتْ الرّوحُ الحُلقومَ، وأنتمْ حينئذٍ تنظرون" أي وأنتمْ حين إذ بلغتْ الرّوحُ الحلقومَ تنظرون .
--------------------------------------------------------------------------------
* تنوينُ العِوضِ أو التعويضِ : هو التنوين الذي يُذْكَرُ عِوضاً عن حرفٍ أصليٍ محذوفٍ لعلّةٍ مُعَيّنةٍ في كلمةٍ، أو بدلاً من كَلمةٍ محذوفةٍ في جملةٍ ، أو عِوضاً عن جُملةٍ محذوفةٍ ، فَيُغني عن ذِكْرِ المحذوفِ ، ومثالُهُ في الكلمةِ : جَمْعُ كرسيٌ على كراسٍ ، فيكونُ التنوين عوضاً عن الياءِ المحذوفةِ ، وقد تُحْذَفُ الكلمةُ ويُعَوّضُ عنها بالتنوين ، نقول : سافرَ الأبناءُ فقبّلْتُ كلاً منهم ، حيثُ سدّ التنوينُ في (كلاً) مكانَ (كلّ واحدٍ) وقدْ يَقَعُ الحذف في الجملةِ مثل : قُرِعَ جَرَسُ البابِ وكنتُ حينَ إذْ قرِعَ الجرسُ أرُدُّ على الهاتفِ . التي تصيرُ إلى : قُرِعَ جَرَسُ البابِ وكنتُ حينئذٍ أردُّ على الهاتفِ . حيثُ سَدّ التنوينُ عن جُملةٍ – حينَ إذْ قُرِعَ الجرسُ – .
6- أيانَ : ظرفٌ للمستقبلِ ، ويكونُ اسمَ استفهامٍ يُطلبُ بهِ تعيينُ الزمانِ المْسَتقْبلَِ خاصةً . مثل : قول تعالى "يسألُ أيانَ يومُ الدينِ"؟ ومعنى أيانَ : أيُّ آنٍ ، فَخُفّفَ الأخيرُ وصارَ اللفظان لفظاً واحداً . وقد يتضمنُ (أيان) معنى الشرط ، فيجزمُ فعلين . مثل : أيانَ تذهبْ تجدْ أحباباً .
7- أنّى : ظرفٌ للمكانِ ، ويكونُ اسمَ شَرْطٍ بمعنى (أينَ) مثل : أنى تذهبْ أذهبْ واسمَ استفهامٍ عن المكانِ بمعنى من أيْنَ ؟ . مثل قوله تعالى "يا مَرْيَمُ أنى لكِ هذا" أي مِنْ أينَ ؟
كما يكونُ بمعنى (كيف) . كقولهِ تعالى "أنّى يُحييِ هذه اللهُ بَعْدَ موتِها" أي كيف يُحييها ؟
ويكونُ ظرفَ زمانٍ بمعنى (متى) للاستفهامِ . مثل أنى جِئْتَ ؟ = متى جئتَ ؟
8- قَبْلُ وبَعْدُ : ظرفان للزمان ، منصوبان على الظرفية ، أو مجروران بـ (مِنْ) مثل : غادرتُ المدينةَ قبلَ الظُّهرِ ، أو بَعْدّهُ . وهما معربان بالنصب ، أو مجروران بمن .
مثل : غادَرْتُ المدينةَ قبلَ الظُّهرِ ، أو بَعْدَهُ ، أوْ مِنْ قَبْلِهِ أوْ من بَعْدِهِ .
وقد يكونان للمكان مثل : دَوْري قَبلَ دَوْرِكَ أوْ بَعْدَهُ وهما معربان بالنّصْبِ ، أو مجروران بمن .
وقد يُبنيان إذا قُطعا عن الإضافةِ في اللفظِ لا المعنى – بحيث يبقى المضاف إليه منْوياً ومُقدّراً، مثل قوله تعالى "للهِ الأمرُ مِنْ قَبْلُ ومِنْ بَعْدُ" ، أي من قبلِ الغَلَبةِ ومن بَعدِها .
وتُعَامَلُ معامَلَةَ (قبل وبعد) من حيث الإعرابُ ، والبناءُ ، الجهاتُ الِسّتُ : أمام قُدّام ، وخَلْفُ ووراءُ ، ويمينُ وشمالُ – يسار– ، وفوقُ وتحتُ . فإذا أضيفت أو قُطعتْ عن الإضافةِ في اللفظِ والمعنى ، كانتْ مُعْربَةً ، مثل : وقفتُ أمامَ المَصْرِفِ ، وسِرْتُ يميناً ، أسيرُ خَلفَ الجماعةِ .
وإن قُطِعَتْ عن الإضافةِ لفظاً ، لا معنىً ، بُنيَتْ على الضّمِ ، مثل : إجْلِسْ وراءُ ، أو أمامُ ، أو يمينُ ، أو خلفُ أو فوقُ أو تحتُ ، ومثل نزلتُ من فوقُ ، ونظرتُ من تحتُ ، وأتيتُ من يسارُ .
ومثل : تَقَدَّمَ الناسُ وعادلٌ خلفُ أو أمامُ ، نَقْصُدُ من خلْفَهم أو أمامَهم .
فإذا أردنا تحديدَ جهةٍ محددةٍ ، فإننا نُحَددّهُا بالإضافةِ ، مثل : قِفْ يسارَ الشارع . أو تحددُ بوساطةِ حذف المضاف إليه ، مثل : قِفْ يسارُ ، أي يسارَ شيءٍ مُعَيَّنٍ – الشارعِ –
أما إذا أردنا عَدَمَ تحديدِ الجِهَةِ ، قُلنا : قِفْ يساراً ، حيث قطعنا الظرف من الإضافة لفظاً ومعنى في آن .
وفي حُكْم قَبلُ وبَعْدُ أيضاً ، أوّلُ ، وأسفَلُ ودُونُ ، نقول : وَقَفَ أوّلَ المتبارين ، ووقف أوّلُ ، وقف أولَ ، وقف من أولَ .
دونَ : ظرف للمكان منصوب ، وهو نقيضُ (فوق) . مثل : هو دونَهُ ذكاءً ، أي أقلُّ منه ، ونقول : جلس الولد دون أبيه ، أي في مكانٍ منخفضٍ عن مكانِهِ . وقد تَرِدُ (دَونَ) بمعنى أمامَ . مثل : الكرةُ دونَكَ . وقد تَكُوُنُ بمعنى وراءَ . مثل : قَعَد دَونَ المشاهدين = وراءهم .
ومثل : وقَفَ السائِقُ دونَ الإشارةِ ، ووَقف دونَ ودونُ ومِنْ دونِ ، ومعلومٌ أنَّ أوْلَ وأسفلَ ممنوعان من الصَرّفِ لأنهما صِفتان على وزنِ أفعل أما (دون) فهي غير ممنوعة
9- لدى ولَدُنْ : ظرفان للزمانِ والمكانِ بمعنى (عِنْدَ) مبنيان على السكون والغالبُ في (لَدُنْ) أن تُجَرّ (بمٍنْ). مثل : وعلمناه من لَدْنا عِلمْاً . وقد تكونُ في محلِ نَصْبٍ على الظرفيّةِ الزمانيّةِ .
مثل : خَرَجْتُ لَدُنْ طلوعِ الشَّمْسِ .
أو المكانيةِ مثل : جلَسَت لَدُنْكَ .
والغالبُ في (لدى) النصبُ محلاً على الظرفيةِ الزمانيةِ مثل : جِئْتُ لدى وصولِ أخي ، أو المكانية ، مثل: جلَسْتُ لَدَيْهِ ، وقد تُجرُّ بمن . مثل : عُدْتُ من لدى المحامي . وإذا اتصلَ الضميرُ بـِ (لدى) انقلبت ألفُها ياءً . مثل : لَدَيْهِ ، لَدَيْهم ، مثل : لَدَيْنا دَليلُ سَوْقٍ .
10- متى : ظرفٌ للزمانِ ، مبنيٌ على السكونِ . ويكونُ اسمَ استفهامٍ مبنياً على الظرفيةِ ، مثل : مَتى جئتَ ؟ ومجروراً بإلى أو حتى مثل : إلى متى يبقى شَعْبُ فلسطينَ مُضْطَهَداً؟
وحتى متى (حَتّام) يستمرُ احتلالُ أرْضِهِ ؟
وتكون (متى) اسم شرط . مثل : متى تثقْ بنفسِكَ يَثقْ بك الآخرون .
وعِندما تتضمّنُ (متى) معنى الشرط ، لزمت النصب على الظرفية ، فلا تُسْتَعْمَلُ مجرورةً , نحو : متى تسافرْ ، ترافِقْكَ السلامةُ !
11- أيْنَ : ظَرْفُ مكانٍ مبنيٌ على الفَتْحِ .
ويكونُ اسمَ استفهامٍ ، منصوباً على الظرفيةِ ، فيُسْأَلُ بها عن المكانِ الذي حَلَّ فيه الشيءُ ، مثل : أينَ موقفُ الجامعةِ ؟ أينَ كُنْتَ ؟ ومجروراً بـ (مِن) فَيُسْأَلُ عن مكانِ ظهورِ الشيءِ . مثل: مِنْ أيْنَ عُدْتَ ؟ ومجروراً بإلى فَيُسْأَلُ بها عن مكانِ انتهاءِ الشيءِ . مثل : إلى أيْنَ تذهبُ ؟
ويكونُ اسمَ شَرْطٍ ، فَيَلْزَمُ النّصْبَ على الظرفيةِ ، مثل : أيْنَ نَذهبْ ، أذهبْ ، وقد نَلحْقُها ما الزائدةُ للتوكيد . مثل : "أينما تكونوا يُدْرِكْكُمْ المَوْتُ" .
12- حَيْثُ : ظَرْفٌ للمكانِ ، مَبْنِّيٌ على الضَّمِ . مثل : اجْلِسْ حَيْثُ يَجْلِسُ العُقلاءُ وهي تُضافٌ إلى الجملتين الفعليةِ والاسميةِ .
فالأولى ، مثل : اسعَ حَيْثُ يسعى العالمون .
والثانية ، مثل : اذهبْ حيثُ خليلٌ ذاهبٌ .
وإن جاء بَعْدَهَا مُفْرَدٌ – غير جملة - ، رُفِعَ على أنّهُ مبتدأٌ خَبَرُهُ مَحْذوفٌ ، مثل : اتَّفَقْتُ مَعَهُ مِن حَيْثُ المبدأُ . أي مِنْ حَيْثُ المبدأُ وارِدٌ .
وإذا لحقتها (ما) الزائدةُ ، كانتْ اسمَ شَرْطٍ ، مثل : حَيْثُما تقْصُدْ أقْصُدْ .
__________________ -انتهى