الحمد لله و الصلاة والسلام على رسول الله
وبعد
فهذه بعض مشاكل التدخين الخطيرة التي وقفت عليها فما كان فيهم من صواب فمن الله و ما كان من خطأ فمني و من الشيطان
1- التدخين يميت القلب
فقد أخرج الأئمة أحمد و الترمذي و ابن ماجة بسند حسنه الشيخ الألباني رحمهم الله جميعا
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا أَذْنَبَ كَانَتْ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ فِي قَلْبِهِ فَإِنْ تَابَ وَنَزَعَ وَاسْتَغْفَرَ صُقِلَ قَلْبُهُ وَإِنْ زَادَ زَادَتْ حَتَّى يَعْلُوَ قَلْبَهُ ذَاكَ الرَّيْنُ الَّذِي ذَكَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي الْقُرْآنِ
{ كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ }
قال ابن منظور في اللسان :
الرَّيْنُ الطَّبَعُ والدَّنَسُ والرَّيْن الصَّدأُ الذي يعلو السيفَ والمِرآة ورَانَ الثوبُ رَيْناً تَطَبَّعَ والرَّيْنُ كالصَّدَإ يَغْشى القلب ورَانَ الذَّنْبُ على قلبه يَرِينُ رَيْناً ورُيُوناً غلب عليه وغطاه وفي التنزيل العزيز كلا بل رَانَ على قلوبهم ما كانوا يكسبون أَي غَلَبَ وطَبَعَ وخَتَم وقال الحسن هو الذَّنْب على الذنب حتى يسوادَّ القلب
قلت : فلو أن العبد دخن سيجارة واحدة ثم ندم فتاب و استغفر فقد يكون أمرا هينا إن شاء الله
لكنها العلبة تتبع العلبة فهيهات له من توبة إلا أن ينزع عنها تماما
و ذاك الرين الذي يغطي القلب يمنع الذكر من كلام ربنا سبحانه و كلام رسوله صلى الله عليه و سلم و مواعظ الأولياء الله يمنعها من النفاذ إلى القلب و تمنعه من ذوق حلاوة الذكر و الطمأنينة به وكفى بهذه عقوبة فبها يحرم جنة الدنيا
يقول الإمام بن القيم في الجواب الكافي
فأين هذا من نعيم من يرقص قلبه طربا وفرحا وأنسا بربه واشتياقا اليه وارتياحا بحبه وطمأنينة بذكره
حتى يقول بعضهم في حال نزعه واطرباء
ويقول الآخر ان كان أهل الجنة في مثل هذا الحال انهم لفي عيش طيب
ويقول الآخر مساكين أهل الدنيا خرجوا منها وما ذاقوا لذيذ العيش فيها وما ذاقوا أطيب ما فيها
ويقول الآخر لو علم الملوك أبناءالملوك ما نحن فيه لخالدونا عليه بالسيوف
ويقول الآخر إن في الدنيا جنة من لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة
انتهى كلامه رحمه الله
قلت : أفبعد كل هذا يرجو المدخن لقلبه حياة
اللهم أحيي قلوبنا بذكرك
2- التدخين من محقرات الذنوب
فأكثر المدخنين تجده لسان حاله إن لم يكن لسان مقاله يقول : أنا خير من كثير من أهل الخمر و أهل المخدرات
و لا يعلم المسكين أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ
إِيَّاكُمْ وَمُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ فَإِنَّهُنَّ يَجْتَمِعْنَ عَلَى الرَّجُلِ حَتَّى يُهْلِكْنَهُ وَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَرَبَ لَهُنَّ مَثَلًا كَمَثَلِ قَوْمٍ نَزَلُوا أَرْضَ فَلَاةٍ فَحَضَرَ صَنِيعُ الْقَوْمِ فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَنْطَلِقُ فَيَجِيءُ بِالْعُودِ وَالرَّجُلُ يَجِيءُ بِالْعُودِ حَتَّى جَمَعُوا سَوَادًا فَأَجَّجُوا نَارًا وَأَنْضَجُوا مَا قَذَفُوا فِيهَا ( أخرجه أحمد )
و في البخاري عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ
إِنَّكُمْ لَتَعْمَلُونَ أَعْمَالًا هِيَ أَدَقُّ فِي أَعْيُنِكُمْ مِنْ الشَّعَرِ إِنْ كُنَّا لَنَعُدُّهَا عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْمُوبِقَاتِ
قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ ( البخاري ) يَعْنِي بِذَلِكَ الْمُهْلِكَاتِ
و روي عن الفضيل بن عياض أنه قال بقدر ما يصغر الذنب عندك يعظم عند الله وبقدر ما يعظم عندك يصغر عند الله
3- المدخن من المجاهرين
فأغلب المدخنين من المجاهرين
و رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ كُلُّ أُمَّتِي مُعَافًى إِلَّا الْمُجَاهِرِينَ
( أخرجه البخاري )
و المجاهر لسان حاله يقول
" ألا تروني أيها الناس ها أنا ذا أعصي الله و رسوله و لا يهمني "
و هذا كما قلت لسان حاله و نسأل الله لهم العافية من أن يقر مثل هذا القول الخبيث في قلوبهم
4-المدخن يؤذي المؤمنين غالبا
قال رب العالمين في كتابه
وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا (الأحزاب58)
قال الإمام الألوسي رحمه الله تعالى في تفسير قوله تعالى { والذين يُؤْذُونَ المؤمنين والمؤمنات } : يفعلون بهم ما يتأذون به من قول أو فعل
فتأمل معي أخي الحبيب
لو أنك ركبت أحد المواصلات العامة بدخانك أو مشيت في الشارع أو حتى و أنت في بيتك فإنك تكسب إثما مع كل نفس يتنفسه مؤمن و تأذى فيه من دخانك
بل إنك حتى لو وقفت في شرفتك أو شباكك تذخن و تقول في نفسك حتى لا أوذي أحدا
فإن دخانك قد يتسلل إلى غرفة نوم جارك الذي يسكن فوقك فيؤذيه دخانك من حيث لا تشعر
و هذا إنما أقوله عن تجربة
من أهم أسباب العلاج من هذا الداء الخبيث :
1- العلاج الأهم بل و أعتبره الوحيد التيقن بعظم هذه المعصية و إدراك خطرها في الآخرة
2- فإذا حصل اليقين بهذا فزع القلب المؤمن فيرجى منه حينئذ صدق اللجئ إلى الله تعالى و التوكل عليه و الاستعانة به للخلاص من هذا الداء الوبيل
3- الاستعانة بالصوم و الصلاة حيث يقول ربنا
وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ (البقرة45) و أكثر المفسرين على أن الصبر هو الصوم
4- أيضا من أهم أسباب العلاج أن يجمع المدخن ثمن عام من الدخان أو أقل فيذهب به لعمرة بيت الله الحرام و حبذا لو كانت في رمضان أو يستعن بالصيام في الأشهر الحرم ليجمع مع حرمة المكان حرمة الزمان و طبعا لو كان حجا لكان خيرا و أعظم
5- علاج أكيد و مجرب ألا وهو شرب ماء زمزم بنية الاستشفاء من ذاك الداء و التضلع منه ( أي الشرب حتى يبلغ الماء الضلوع )
6- و من أهم الأسباب أيضا عدم مخالطة المدخنين والبعد التام عنهم قدر الاستطاعة
7- يمكن للمدخن أن يستعين في البداية ببعض المسليات ( كالمكسرات و اللب و السوداني و ما شابه ) حتى يستطيع التخلص من العادة
فللهم تب علينا و على كل مدخن و على كل عصاة المسلمين